JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

إمامة فاطمة في القرآن

 


مقدمات في الموضوع


إنّ الحديث عن فاطمة (عليها السلام) لا يُمكن أن يُختزل في العاطفة، ولا يُحدّ بحدود التاريخ، ولا يُقاس بمعايير النَسب المجرد. إنها حقيقة قرآنية تجلّت في الرسالة، والولاية، وسياق الاصطفاء الإلهي. ومن هنا تنبع ضرورة مسايلة النصّ القرآني: هل تحدّث عن فاطمة؟ وإن تحدّث، فهل أشار إلى إمامتها؟ وإذا أشار، فهل كان ذلك ضمنيّاّ، أم بنحو ظاهر بيّن؟


هذا البحث لا ينطلق من فراغ، فلا بد من معرفة هل أن الزهراء (عليها السلام) مجرد امرأة فاضلة، أم إمام بمعنى الجعل الإلهي كساير الأيمة عليهم السلام؟ وهل حُرمت من الخلافة الظاهرة، أم أُقصيت عن الإمامة الشرعية؟ وما الفرق أصلاً بينهما؟ وهل الإمامة في لسان القرآن مشروطة بالحكم والسيادة، أم هي مقام هداية ربّاني أوسع وأعمق من السلطة الظاهرة؟


ثم يأتي السؤال الأشدّ أثراً: هل نصّ القرآن على فاطمة بأسمها؟ هل دلّ عليها؟ الجواب: نعم، مراراً، وبأساليب بلاغية تتجاوز الأسماء إلى المقامات، وتتخطّى الألفاظ إلى الوظايف الربّانية.


إن فاطمة، بحسب هذا المنهج، ليست ابنة نبي فحسب، بل هي آية ناطقة، وشاهدة قايمة، وسيدة خطاب الطهر والاصطفاء والكوثر والعطاء من مقامها، لا من صلتها النسبية فحسب.


ومن هنا سيكون الخوض في هذا الموضوع بأعماق دلالات القرآن، تأويلاً، وإشارةً، وعلوّ مقام، وسيكون الكشف عن إمامتها كشفاً عن بُنية الإمامة نفسها، وامتدادها في آل محمد صلوات الله عليهم، ومن ثمّ تحليلاً لموقع فاطمة في هذا الامتداد، لا بوصفها تابعة، بل قطباً تدور عليه دايرة الإمامة.


وإنّ من لوازم هذا الطريق في الفهم القرآني أن نُعيد تعريف الإمام كما يطرحه القرآن، لا كما ترسّخ في الذهن العام من صورةٍ ضبابية مرتبطة بالحكم السياسي أو القيادة الجماهيرية. فهذا المقام لا يُنال بالكسب والاجتهاد، بل هو اصطفاءٌ إلهيّ مقرون بالعلم والعصمة والنور والهداية التكوينية.


وعليه، فليس الأيّمة اثني عشر فحسب، بل هم أربعة عشر، يُفتتح عددهم برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، الذي بلغ ذروة النبوة، ومنزلة الرسالة، وسمو الإمامة. نعم، له (صلى الله عليه وآله) مقام الإمامة كما سيأتي تفصيله، ومن بعده فاطمة الزهراء (عليها السلام) إمامٌ قايمةٌ بأمر الله، وشاهدةٌ على الخلق، وعِدلٌ للكتاب، كما دلت عليه النصوص المحكمة، ومضامين البيان النبوي، وحقايق التأويل.


فلا يمكننا أن نبحث في إمامة فاطمة دون أن نُحيط علماً بالبنية الكاملة للإمامة في القرآن، تلك التي تبدأ بمحمد، وتستمر في علي وفاطمة والحسن والحسين، وتنتهي بالقايم الحجة ابن الحسن (عليهم السلام)، فجميعهم أيّمةٌ بالنصّ، شهداءُ على الخلق، حجةُ الله في أرضه، ومجاري أمره في عباده.


«وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» [الحج: ٤٥] 


عن إبراهيم ابن زياد، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» قال: البئر المعطلة: الإمام الصامت، والقصر المشيد: الإمام الناطق (١).


عن صالح بن سهل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قوله تعالى: «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» قال: أميرُ المُؤمنين القصْرُ المشيد، والبئرُ المُعطّلةُ فاطمة وولدها مُعطّلون مِن المُلْك (٢).


عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وأمّا قولهِ: «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» قال: هُو مَثَل لآلِ مُحمَّد صلواتُ اللهِ عليهم قوله: «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ» هي التي لا يُستسقى منها، وهُو الإمامُ الذي قد غابَ فلا يُقتبَسُ مِنهُ العِلْم، والقَصْر المَشيد هُو المُرتفع وهُو مَثَلٌ لأميرِ المؤمنين والأيّمةِ وفضايلهم المُشرفةِ على الدُنيا (٣).


هذه الصورة تمثل بوضوح ما يمكن تسميته بالإمامة المحجوبة أو الإمامة المعطّلة، وهي الحالة التي يبقى فيها الإمام منصوباً من قِبَل الله تعالى، ثابتاً في مقامه الواقعيّ، لكنه مغيّب عن ممارسة سلطته في المجتمع، فلا تُؤخذ منه الأحكام، ولا يُرجع إليه في الحكم، ولا تُستقى منه ينابيع المعرفة التي وضعها الله فيه.


فالإمام في هذه الحالة يشبه البئر العميقة المليّة بالماء العذب، لكنها مغطاة مهجورة، لا يصل إليها أحد، ولا يستفيد منها أحد، وهذا ينطبق على عدد من الأيّمة صلوات الله عليهم، وعلى رأسهم فاطمة الزهراء وولدها الحسن والحسين ومن بعدهم صلوات الله عليهم حين عُطّلت إمامتهم الفعلية، رغم قيامها الشرعية.


والقصر المشيد: الإمام الناطق


وهنا نجد صورة الإمامة التي ظهرت بين الناس وتحدثت وأدّت وظيفتها البيانية والتوجيهية، فالقصر المشيد - بحسب هذا التأويل - ليس مجرد بناء فخم، بل هو رمزٌ للإمام الذي برز إلى المجتمع، وتكلم بالحق، وأوضح المعارف، وأدار شؤون الأمة علناً أو جزئيّاً بحسب الظرف.


والروايات ذكرت أن القصر المشيد هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنّه أظهر علمه، بملاحظة جهة إمامته التي قالت بها شيعته، أمَّا فاطمة فقد عطّل النواصب إمامتها وعطّل الشيعة إمامتها أيضاً، فالزهراء لم تحكم ولم يكن لها من إمامةٍ فعليّةٍ بين الناس. أما أمير المؤمنين حتى لو حُجّم سياسياً بعد أن سُرقت الخلافة منه فهو حكم مدةً.


وصورةُ الإمامة العظمى ليست من جهة المُلك فقط، الأمر يعتمد على تسلسل الإمامة من وجود إمامين أو أكثر في عصرٍ واحد، ففي زمن رسول الله كان الرسول إمامٌ ناطق وأمير المؤمنين عليه السلام إمامٌ صامت.


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) القصر المشيد والبئر المعطلة علي (عليه السلام) (٤).


وفي حديث المعرفة بالنورانية: وصار محمد الناطق، وصرت أنا الصامت، وإنه لا بد في كل عصر من الاعصار أن يكون فيه ناطق وصامت (٥).


وكذا في زمن الحسن والحسين، والحسين والسجاد والباقر...


عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق (عليه السلام): هل يكون إمامان في وقت؟ قال: لا إلا أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه، والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، وأما أن يكون إمامين ناطقين في وقت واحد فلا (٦).


من خلال هذه التأويلات، تتّضح ثنائية الإمامة في مسار أهل البيت عليهم السلام:


إمامة باطنة: قايمة بقرارٍ إلهيٍّ، لكنها معطَّلة في الواقع السياسي والاجتماعي، وتكون صامتة في حضور إمام ناطق.


إمامة ظاهرة: قايمة بالقرار الإلهي أيضاً وتدير شؤون الإمامة وتظهر العلم والبيان، وهذه هي القصر المشيد الناطق.


وكلا الصورتين تُعبّران عن الإمام المعصوم، لكن واحدة مُفعّلة وظاهِرة، والأخرى مُعطّلة ومحجوبة، لا نقصاً في أهلها، بل بسبب تخلّي الأمة عنهم.


وهذا من أقوى النصوص التي تثبت إمامة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وتُظهر بوضوح أن تعطيلها كان سياسياً واجتماعياً، لا شرعياً. أي أنّ مقام الإمامة ثابتٌ لها، لكنّ الناس لم يفتحوا لها المجال، بل أنكروها وأسقطوها وعزلوها عن موقعها الحقيقي، بل إنها عليها السلام وولدها سواء في الإمامة حين تعطيلها وتعطيل وِلدها الأيّمة من نسلها، فهم كلّهم بئر معطّلة، وسيأتي بيان المُلك من كونه الإمامة.


أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ۝ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» [النساء: ٥٣، ٥٤]


عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: «أُولئكَ الّذين لَعنهُمُ اللهُ ومَن يلعن اللهُ فلن تَجدَ لَهُ نصيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ» يعني الإمامة والخلافة «فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا» نحن الناس الّذين عنى الله. والنقير: النقطة التي في وسط النواة، «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة‌ دون خلق الله أجمعين «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» يقول: جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأيّمة ، فكيف يقرون به في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد (صلى الله عليه وآله) (٧).


يكشف لنا مولانا الباقر عليه السلام أن المُلك هنا هو الإمامة والخلافة، وأن المقصود بـ الناس هم آل محمد صلوات الله عليهم، فهؤلاء الذين لعنهم الله منعوا النقطة في النواة من آل محمد، وهي كناية عن إنكارهم لأصغر حقوقهم، فكيف بالملك العظيم؟!


عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأيّمة فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله؟! قال: قلت: «وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أيّمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم (٨).


إنكاره في آل محمد صلوات الله عليهم رغم الإيمان به في آل إبراهيم هو تناقض واضح، والإمام يُدينهم بالقرآن الذي يستشهدون به.


عن هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» ما ذلك الملك العظيم؟ قال فرض الطاعة ومن ذلك طاعة جهنم لهم يوم القيامة يا هشام (٩).


عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» قال الطاعة المفروضة (١٠).


عنه عليه السلام في قول الله تعالى:«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» قال نحن المحسودون (١١).


هنا نسأل: هل لفاطمة الزهراء صلوات الله عليها نصيب من هذا الملك العظيم؟ وهل هي داخلة في هذه الآية؟


الجواب عند إمامنا الباقر عليه السلام: ولقد كانت طاعتها مفروضة على جميع من خلق الله: الجن، والإنس، والطير، والبهايم، والأنبياء، والملايكة (١٢).


فإذا كانت طاعتها مفروضة بهذا المعنى الشامل فهي صاحبة نصيب كامل من الملك العظيم دون شك، لكنها عُطّلت كما عُطّلت البئر، وغُيّبت بسبب الظلم الذي جرى عليها، فينطبق عليها التأويلان معاً: أنها محسودة، ومفروضة الطاعة، وصاحبة إمامة إلهية.


ويعضّد هذا التأويل المنظّم، ما روي عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: «إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا» فقال: الأنبياء: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإبراهيم وإسماعيل وذريته، والملوك: الأيّمة (عليهم السلام) قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم؟ قال: ملك الجنة وملك الكرة (١٣).


«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [الأحزاب: ٣٣]


لا يخفى عليك أن سيدة النساء فاطمة صلوات الله عليها داخلة في آية التطهير دخولاً صريحاً، ولا يستطيع أي أحدٍ إخراجها.


تعالوا لنرى قول أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية: فقد طهرنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن كل دنية وكل رجاسة، فنحن على منهاج الحق ومن خالفنا فعلى منهاج الباطل... (١٤)


وقول مولانا الرضا (عليه السلام) في وصف الإمام


قال: الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين... (١٥)


فهذا وصف لا ينطبق إلا على الإمام المعصوم، وقد رُبطت الإمامة بالتطهير في الآية الكريمة، فدلّ أن الإمام مطهر من الذنوب وفاطمةُ طاهرةٌ مطهرة، وإن كانت هناك تأويلات لهذا النص تقتضي تغيير وجه الموضوع، نحضر لهم الدليل الأوضح الذي لا يُرد.


عن أبي (عليه السلام) قال: قوله «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» يعني الأيّمة عليهم السلام وولايتهم، من دخل فيها دخل في بيت النبي صلى الله عليه وآله... (١٦)


وعن مولانا سيد الساجدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قد انتحلت طوايفٌ من هذه الأمة بعد مفارقتها أيّمة الدين - إلى أن يقول - فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكمة إلا أهل الكتاب وأبناء أيّمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة؟ هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب؟ (١٧).


فالنتيجة: أن آية التطهير ليست مجرد كرامة عابرة، بل هي بيان منزلة الإمامة والعصمة والاحتجاج من الله على خلقه، ولا يمكن إخراج فاطمة منها، بل إخراجها إخراجٌ للإمامة من بيتها، وإبطالٌ لمراد الله الذي صرّح به «إِنَّما يُريدُ اللَّه»


«مَرَجَ البَحرَينِ يَلتقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ» [الرحمن: ١٩ - ٢٠]


عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله عز وجل: «مَرَجَ البَحرَينِ يَلتقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ» قال: علي وفاطمة (عليهما السلام) بحران من العلم، عميقان، لا يبغي أحدهما على صاحبه (١٨).


عن جابر الجعفي، عن أحدهما (عليهما السلام) في قوله عز وجل «مَرَجَ البَحرَينِ يَلتقِيَانِ» قال: علي وفاطمة «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ» قال: لا يبغي علي على فاطمة، ولا تبغي فاطمة على علي (١٩).


الروايتان صريحتان بأن علياً وفاطمة (عليهما السلام) لهما المنزلة نفسها ومتساويان بكل شيء فلا يفضّل أحدٌ على الآخر، ومن المعلوم أن هذا التفسير لا يصدر من باب المجاز البياني أو التشبيه الظاهري، بل هو تأويلٌ نبويٌّ وإماميٌّ للآية.


فإن قلت: إن فاطمة لا تملك الإمامة


أقول: إذن كيف تفسّر وضعها في كفةٍ واحدة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وإشراكها في مقامه؟ فهل تساوي غير الإمام مع الإمام يصح؟ وهل يتقبل القرآن أن يُقاس غير الإمام بالإمام في الوصف الربّاني؟


إن كان ذلك سايغاً، فإمّا أن يكون هذا هدراً لمنزلة الإمامة وأنها منزلة لا اعتبار لها ـ والعياذ بالله ـ أو أن يكون عليٌّ (عليه السلام) غير إمام والقولان باطلان.


فإذا بطل الطرفان، ثبت أن فاطمة (عليها السلام) إمامٌ في ذات المقام، والبحران يلتقيان في العلم والإمامة والطهارة والولاية.


ما ذكر في القرآن من آيات الله أو الآيات «وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ» [يونس: ١٠١]


«وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ...» [النساء: ١٤٠] 


عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: «وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ» قال: الآيات هم الأيّمة، والنذر هم الأنبياء (عليهم السلام) (٢٠).


عن شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا» إلى آخر الآية، فقال إنما عنى بهذا الرجل يجحد الحق ويكذب به، ويقع في الأيّمة، فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان (٢١).


عن علي بن إبراهيم قال: وهم الأيّمة (عليهم السلام)، أي كذبتموهم و استهزأتم بهم (٢٢).


وفي حديث أمير المؤمنين لطارق: يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله... (٢٣)


في الروايات المتقدمة يتّضح بجلاء أن لفظ الآيات المقصود به الأيّمة (عليهم السلام)، وبالتالي، فإن كلّ آيةٍ من آيات الله الظاهرة في الخلق، والتي يجحدها الناس ويقعون فيها استهزاءً وتكذيباً، تنطبق على الإمام


فهل الزهراء (عليها السلام) داخلة في هذا العنوان؟ نأتي إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) القاطع:


عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخلت الجنة فرايت على بابها مكتوبا بالذهب لا اله إلا الله محمد حبيب الله علي بن ابي طالب ولي الله فاطمة آية الله الحسن والحسين صفوتا الله على مبغضيهم لعنة الله (٢٤).


فإذا كانت فاطمة آية الله بنص النبي (صلى الله عليه وآله)، وكانت الآيات هم الأيّمة كما في الأحاديث التفسيرية الصريحة، ثبت أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) إمامٌ منصوصٌ عليها، مثلها مثل أبيها وبعلها وبنيها.


فمن جحد إمامة الزهراء فقد جحد آية من آيات الله، ومن جحد آية الله فقد استحقّ ما ذكره القرآن: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾


«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» [آل عمران: ٦١]


حديث طويل لأمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير الإمام العسكري الشريف وهو يتحدث عن واقعة نجران: هلموا الآن نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين... ميز الله بذلك الصادقين من الكاذبين فجعل محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أصدق الصادقين وأفضل المؤمنين - إلى أن يقول النبي - وفاطمة (عليهما السلام) جعلها من أفضل الصادقين لما ميز الصادقين من الكاذبين... (٢٥)


هذا التوكيد على أنها من الصادقين ليس عبثاً! إنه يقودنا إلى الآية التالية


«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» [سورة التوبة: ١١٩]


عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» قال: الصادقون هم الأيّمة والصديقون بطاعتهم (٢٦).


عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): إن الصادقين هاهنا هم الأيّمة الطاهرون من آل محمد (صلى الله عليه وآله) (٢٧).


سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن الصادقين هاهنا فقال: هم علي وفاطمة وحسن وحسين وذريتهم الطاهرون إلى يوم القيامة (٢٨).


فإذا ربطنا هذه القراين مع بعضها، نرى أن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد نسجت وحدةً متماسكةً تدل على أن فاطمة هي إمامٌ إمامٌ إمام دون شك.


«وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» [آل عمران: ٧]


عن إبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: «وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» أمير المؤمنين والأيّمة (عليهم السلام) (٢٩).


وفي حديث المفاخرة قالت فاطمة صلوات الله عليها: وأنا صاحبة التأويل (٣٠).


هذا الآية الكريمة لا تثبت إمامة فاطمة فقط، بل حتى إمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)


عن الصادقين (عليهما السلام) في قوله الله عز وجل: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله... (٣١)


«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» [المؤمنون: ١]


عن إمامنا موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) في قول الله عز قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ - إلى قوله - ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» قال: نزلت في رسول الله وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) (٣٢)


«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» [التوبة: ١٠٥]

في قراءة آل محمد: وَالْمَأمُوْنُوْنَ


عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» قال: هم الأيّمة (٣٣).


إذا كانت (عليها السلام) من المؤمنون المعنيون في الآية، فهل هناك دلالة على أنها ترى أعمالنا؟ 


عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا زرتم أبا عبد الله (عليه السلام) فالزموا الصمت الا من خير - إلى أن يقول - وإنها - أي فاطمة - لتنظر إلى من حضر منكم، فتسأل الله لهم من كل خير... (٣٤)


هذه صورةٌ ترى بها الزهراء أعمالنا.


«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» [الإسراء: ٩]


عن العلاء بن سيّابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» قال: يهدي إلى الإمام (٣٥).


قال الغزي: يهدي للحقيقةِ التي هي أقوم، ولكن ألا تَرون أنَّ التعبيرَ أنسبُ بالقيّمة، أنسَبُ بفاطمة لأنَّها هي الإمام هُنا..؟! فالدينُ دينها والقيمومةُ لها.. أنا لا أُريد أن أحصرَ الآيةَ بفاطمة.. الآية تتحدّثُ عن الولاية والإمامة، والإمام.. هذهِ المضامين وردتْ في أحاديثهم الشريفة (صلواتُ الله عليهم).


ما ذكر في القرآن من كلمة نور


«يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [الصف: ٨]


«فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا» [التغابن: ٨]


عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) في قوله «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ» قال: والله متم الإمامة، لقوله عز وجل: «الَّذِينَ آمَنوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا» فالنور هو الإمام (٣٦).


بيان: لعله قد حصل تصحيفٌ في الآية الثانية أو أنها محرفةٌ والإمام قرأها كما أنزلت.


عن أبي خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا» فقال: يا أبا خالد، النور والله الأيّمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات والأرض، والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيّة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم... (٣٧)


عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين - إلى أن يقول - ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض... (٣٨)


عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر (عليه السلام) لم سميت فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، و عند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدري (٣٩).


فإذا كانت الإمامة هي النور في القرآن، والنور في الآيات هو آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وفاطمة صلوات الله عليها نور الله بنص النبي، بل هي النور الذي فُتقت منه السماوات والأرض، فهل يبقى لأحدٍ أن ينكر أنها من مصاديق الإمامة؟


بل إن انطباق عنوان النور الإلهي الذي يُراد إطفاؤه على فاطمة الزهراء أوضح من أن يُبيّن، فإنهم ما حاولوا طمس سيرة أحد كما طمسوا شخصها، وما اجتمعت الألسن والسهام على أحد كما اجتمعت عليها، أفلا يدل ذلك أنها النور الذي أرادوا إطفاءه، فأبى الله إلا أن يتمه؟


إن فاطمة هي الإمام، ما دام النور إماماً، وهي النور بشهادة الوحي، وكلمات الرسول، وتصريح الأيّمة.


«وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [الأعراف: ١٥٧]


عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ - إلى قوله - وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» قال: النور في هذا الموضع علي أمير المؤمنين والأيّمة (عليهم السلام) (٤٠).


لا أعتقد أن محباً لآل محمد (عليه السلام) يخرج فاطمة من موضع النور الذي أُنزل مع النبي (صلى الله عليه وآله)


«وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا» [الزمر: ٦٩]


عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله: « وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا» قال رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الإمام (٤١).


الرواية بجمعها مع الروايات الأخرى يفهم منها أنه صاحب الزمان (عليه السلام) إلا أنهم جميعاً من نور واحد، وشروق الأرض بنور ربها لا يختص بحدوثه في ظهور القايم، لعله الحدث الأهم والأوضح.


في خبر النبي (صلى الله عليه وآله) المتقدّم قال: فأظلمت السماوات على الملايكة فضجت الملايكة بالتسبيح والتقديس وقالت: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً، فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل، فعلقها في بطنان العرش، فأزهرت السماوات والأرض، ثم أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سميت الزهراء، فقالت الملايكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والأرض فأوحى الله إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأَمَتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليي وأخ نبيي وأبو حججي على عبادي (٤٢).


فهذه صورةٌ لشروق السماء والأرض بنور ربها فاطمة (صلوات الله عليها)


وصورةٌ أخرى رواها أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يا بن رسول الله لم سميت الزهراء (عليها السلام) زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر، نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي (صلى الله عليه وآله) فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون ان الذي رأوه كان من نور فاطمة إلى أن يقول - فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأيّمة منا أهل البيت إمام بعد إمام (٤٣).


ملحق ⬅ «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» [التحريم: ٨] 


«يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم» [الحديد: ١٢] 


عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: «نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» قال: أيّمة المؤمنين نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازل لهم (٤٤).


عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنين، خطامها من لؤلؤ رطب، قوايمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركنا، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضئ كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة، ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد... (٤٥)


عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم» قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم هو نور المؤمنين يسعى بين أيديهم يوم القيامة إذا أذن الله له أن يأتي منزله في جنات عدن و المؤمنون يتبعونه وهو يسعى بين أيديهم حتى يدخل جنة عدن وهم يتبعون حتى يدخلون معه (٤٦).


فهذا يدل على إمامة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) أيضاً.


لقد تبيّن من خلال هذا العرض القرآني المقرون بتفسير العترة الطاهرة، أن مقام الزهراء (عليها السلام) ليس محض قداسةٍ نُسجت حولها العواطف، ولا رتبة قربٍ اقتضتها صلةُ النسب، بل هو مقامٌ إلهيٌّ قايمٌ على نصوص التنزيل وأسرار التأويل.


فكيف بعد كل هذا يُقال: ليست إماماً؟ إنّ نفي الإمامة عنها نفيٌ لما أثبته الله في كتابه، وتعطيلٌ لما أبرزه الرسول في بيانه، وردٌّ لما صدّقه الأيّمة في تأويلهم.


وسيأتي في المحور التالي ـ بعون فاطمة ـ ما يُثبت هذا المقام الشريف في سنّة النبي وأقوال الأيّمة، لتكتمل صورة الإمامة الفاطمية من جهة الروايات، ويظهر الحق لمن أراد الإنصاف.


⊱━━━━━━⊰✾⊱━━━━━━⊰


NameE-MailNachricht