JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

أمير المؤمنين عليه السلام لم يولد في رجب!


 

اعلم أن المشهور شهرة عظيمة بين مختلف الطوائف والأديان، ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثالث عشر من رجب، وهذا وهم جسيم وخطأ عظيم، ما أبعده عن الواقع، وما أقساه على قلب من التزم الدليل القويم، ولك أن تتخيَّل حجم المأساة حين تجد أنَّ جملةً من الأعلام والمحدّثين - المتقدِّمين منهم والمتأخِّرين - قد وقعوا في هذا الإشكال الكبير، وخالفوا روايات العترة، مما أوقع فئة لا تعد ولا تحصى من الناس في لبسٍ وأوهام لا تزال آثارها ممتدة إلى يومنا هذا، منهم: الشريف الرضي، والشيخ المفيد، والطوسي، وأحمد بن عياش، والطبرسي، وابن شهر آشوب، وابن بطريق الحلي، والسيد ابن طاووس، والشيخ محمد المشهدي، وابن زهرة الحلبي، والفتّال النيسابوري، وهندوشاه الصاحبي النخجواني، والمحقق الإربلي، والعلامة الحلي، وجمال الدين ابن عنبة، والشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، والشيخ الكفعمي، والقاضي نور الله المرعشي. بل وحتى عند المخالفين بما فيهم: الخوارزمي، والحاكم النيسابوري، وابن المغازلي، والقيرواني الأزدي، وابن الأثير، وشرف الدين الموصلي، ومحب الدين الطبري، وابن خلكان، والكنجي الشافعي، وابن الصباغ المالكي.

وسنرد على من تبنى هذا القول الباطل وترك قول أهل البيت (عليهم السلام)، وسندحضه بالدلائل، فأين الولاية والتسليم من هذه المهزلة والخدعة الكبرى للجاحدين والعوام.

تفنيد القول بولادته في رجب

١- غياب النصوص والروايات: لا يوجد أي نصٍ أو رواية تثبت ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في ١٣ رجب، بل إن هذا التاريخ مأخوذٌ من أقوال الرجال التي لم تُبنَ على دليلٍ قاطعٍ أو نصٍّ معتمد. وهذا يجعل الأخذ به مجرد افتراض خالٍ من اليقين.


٢- إن الاحتفال الجماهيري بيوم ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثالث عشر من رجب هو اختراع حدث في نهايات العصر الصفوي، حيث لم يكن هذا الاحتفال أو التشريع له معروفاً في العصور السابقة، فقد عقد مجلسٌ في الدولة الصفوية حيال الأمر، وتم تجديد ذكرى ولادته أيضا، وتشريع الإحتفال بولادته في شهر رجب لأول مرة بحسب أجواء الملك، ووثق هذه الأحداث؛ السيد عبد الحسين خاتون آبادي أحد أبرز مؤرخي العصر الصفوي، فهو يعلم جميع أسرار الدولة - مع إضافة ابنه لهذا الكتاب - من فترة الشاه سلطان حسين، وقد كتبه باللغة الفارسية، وهذا نص ما ذكره:

" فايدة مهمة: وأيضاً من الأحداث التي جرت، تجديد عيد مولد سيد الأوصياء (عليه السلام) حيث أمر الملك العلماء بالتحقيق في يوم مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) لكنه رأى أن هناك اختلافا بينهم حول يوم ولادته، فتوجه الملك إلى شيخ الإسلام العلامة مير محمد صالح خاتون آبادي، الذي كان يعتقد أن يوم المولد هو السابع من شهر شعبان المعظم مستنداً إلى حديث.

ولم يكن هناك مؤيدون لهذا القول. بينما اعتقد العلامة الكبير آغا جمال والعالم الأجل مير محمد باقر بن إسماعيل خاتون آبادي أن الثالث عشر من شهر رجب هو يوم ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)

فبعد هذا الإختلاف، أمر الملك بأن يجتمع جميع العلماء والمدرسين والمتوسطين في بيت ميرزا باقر صدر خاصة. وبعد مناقشات علمية، ذهب أكثر العلماء ومنهم آغا جمال ومير محمد باقر - حفظهما الله - ومعهما حوالي ثمانين شخصاً إلى أن يوم المولد المبارك هو الثالث عشر من رجب، وكان اعتمادهم على السير والتاريخ، وذهب شيخ الإسلام وابنه مير محمد حسين وزوج ابنته الشيخ عبد الكريم؛ إلى قول السابع من شهر شعبان، وكان اعتمادهم على الحديث،

وكل شخص كتب اعتقاده في ورقة ورفعها إلى الملك. انعقد هذا الاجتماع في يوم السبت، الحادي عشر من شهر رجب. وفضل الملك التاريخ المتفق عليه، واعتبر الثالث عشر من رجب عيداً رسمياً، حيث احتفلوا من الليل حتى الصباح كعادة الأعياد.

ولم يعتبر القول بأن المولد في السابع من ذي الحجة أو في الرابع عشر من رمضان الذي كان استناده إلى الحديث، ولم يكن هناك من يعتد به. بالتالي، كانت جميع هذه الأقوال في مرتبة واحدة، ولذلك فضلوا القول الأول. وكان هذا العيد من اختراعات شاه سلطان حسين بن شاه سليمان بن شاه عباس بن شاه صفى بن سام ميرزا بن شاه عباس بن شاه خدابنده بن شاه طهماسب بن شاه إسماعيل، نفعه الله به في الدارين.

العلماء الحاضرون في الاجتماع:

آغا جمال، أمير محمد باقر شيخ الإسلام، ملا بهاء الدين (الفاضل الهندي)، ملا محمد حسين اللنباني، ملا محمد حسين (شيخ الإسلام)، ملا محمد كاظم أبناء ملا شاه محمد التبريزي، ملا محمد هادي، ملا محمد جعفر أبناء ملا محمد باقر الخراساني (المحقق السبزواري)، ميرزا داود المتولي، ميرزا سيد محمد القاضي، ميرزا محمد طاهر الخليفة السلطاني، الشيخ محمد السبزواري، سيد محمد حسين المشهدي. " (١)

إشكال الشيخ بهجت على تاريخ الولادة


والأمر لم يخفِه الجميع، فإن عرفانيَّ قُم؛ المرجع المشهور محمد تقي بهجت قال لتلاميذه: لم يكن الثالث عشر من شهر رجب معروفاً في النجف كذكرى لمولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يكونوا يحتفلون به، وإن كان قد بدأ الاحتفال به بشكل محدود في الفترات المتأخرة. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى دعاء شهر رجب المعروف، الذي ورد فيه: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْمَوْلُودَيْنِ فِي رَجَبٍ... " حيث لم يُذكر فيه أي إشارة إلى ميلاد مولى المتقين (عليه السلام). ومع ذلك، فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .

قلت: وقد أعتبر بعض الفضلاء هذا الدعاء دليلاً على أن الإمام (صلوات الله عليه) لم يولد في شهر رجب، حتى صار عمادهم الأول في النفي، بزعمهم أنه (عليه السلام) لم يذكر في الدعاء، ولكن هذا الإشكال مردود، إذ لو صح  مدّعاهم، لوجب أن ننفي تاريخ ولادة الباقر (عليه السلام) فإنه مولود في شهر رجب، فلماذا لم يذكر أيضاً؟

قول عتاب بن اسيد

والجدير بالذكر أن هناك حجة قوية لنصرة هذا الرأي لم يلتفت لها أصحابه، وهي ما رواه الطوسي في المصباح، عن عتاب بن أسيد قال: ولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) بمكة في بيت الله الحرام يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، وللنبي (عليه السلام) ثمان وعشرون سنة قبل النبوة باثنتي عشرة سنة (٣)

فإن عتاب بن أسيد هذا الصحابي المتعصب للولاية كيف لا يؤخذ بقوله؟ وقد قال عنه النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قلد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، قد فوض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود مضطر بكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم، لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولأوليائنا موال، ولأعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، وقمر منير، قد فضله الله تعالى على كافتكم بفضل موالاته، ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما وحكمته عليكم، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه كما أكمل من موالاة محمد وعلي شرفه وحظه، ولا يؤامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يطالعه، بل هو السديد الأمين... (٤)

أقول: بعد التتبع والبحث، تبين وقوع تصحيفٍ في الأسم، فإن القائل إنما هو غياث بن أسيد وليس عتاب، فإني قد وجدت مخطوطة للكتاب بخط محمد بن حبيب الله الحسيني الشيرازي، محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في إيران، رقم الحفظ الأصلي: ٧٩١٥٣ والمعدل بعد التحديث: ١١٧٥٧ - والرقم مكتوب باللون الأحمر - فيها أن الراوي هو غياث:


لتحميل المخطوطة (اضغط هنا)

وفي مخطوطةٍ أخرى محفوظة في المكتبة نفسها تحت رقم الحفظ: ٦٦٩٥٤. فيها أن الناسخ كتب الأسمين، وجعل غياث باللون الأحمر وفوقه هامش " ب " إشارة الى وجودها في مكان آخر.


لتحميل المخطوطة (اضغط هنا

فالتصحيف واقع لا محالة، وذلك بقرينة أن غياث بن أسيد راوٍ من الغيبة الصغرى، ومقارب لفترة الطوسي والأصحاب، وكان يحدِّث بولادات الائمة ويخلط كثيراً فيها، فلا اعتبار للتواريخ التي يأتي بها فهو يخلط على الناس ثم أنه لم يضبط تاريخ ولادة امام زمانه حتى فكيف يضبط تاريخ ولادة امير المؤمنين؟

روايات ولادته

إن الروايات التي ذكرت ولادته (عليه السلام) ثلاثة، وسنستعرضها ونبيّنها جملةً وتفصيلا، فتأمل.

١- روى الطوسي في أماليه: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبو حبيبة، قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عائشة:

السند الثاني: قال محمد بن أحمد بن شاذان: وحدثني سهل بن أحمد، قال: حدثنا أحمد ابن عمر الربيعي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب:

السند الثالث: وحدثني إبراهيم بن علي، باسناده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) - في خبرٍ طويلٍ - قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد ابن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، فأتت فاطمة بنت أسد (عليها السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أي رب إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى بيتك العتيق، فأسالك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسرت علي ولادتي. قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: فلما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله تعالى فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام، قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن، قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي عليه السلام على يديها، ثم قالت: معاشر الناس إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن كن قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم، وإنها عبدت الله سرا في موضع لا يجب أن يعبد الله فيها إلا اضطرارا، وأن مريم بنت عمران اختارها الله حيث يسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وأن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام، آكل من ثمار الجنة وأرواقها، فلما أردت أن أخرج و ولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه عليا فأنا العلي الاعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي وهو أول من يؤذن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الامام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي، ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه. قال: فلما رآه أبو طالب سر وقال علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته، ثم قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: (بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى آخر الآيات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله: (أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت والله أميرهم تميرهم من علومهم فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به، فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟ قال: أنا أرويه. فقالت فاطمة: أنت ترويه؟ قال: نعم، فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فسمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي (عليه السلام) إلى عنان السماء. قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط، قال: فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله، ثم قال بعد ذلك: يا أمه لا تشدي يدي، فإني احتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي. قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ. قال: فلما كان من غد دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فلما بصر علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) سلم عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس. قال: فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة. قال: فلكلام فاطمة، سمي ذلك اليوم يوم عرفة - يعني أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) - فلما كان اليوم الثالث، وكان العاشر من ذي الحجة، أذن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هلموا إلى وليمة ابني علي. قال: ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمة عظيمة، وقال: معاشر الناس، ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر (٥).

أقول: إن رواية ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر ذي الحجة المتقدمة، من روايات المناقب القديمة، ولكن بحسب ما تبين لي أنها لا تخلو من إشكالات ومخالفات للأخبار، ومعاذ الله من ردها ولكننا في هذا المبحث سنقدم الإشكالات التي عليها وهي:

أولاً: تعارض أصل تسمية يومي عرفة والتروية:

في خبرٍ طويل، عن أبي عبد الله قال: إن إبراهيم (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتوِ من الماء لك ولأهلك ولم يكن بين مكة وعرفات ماء فسميت التروية بذلك، فذهب به حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والعشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل بنمرة وهي بطن عرفة فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل، فصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وصلى في موضع المسجد الذي بعرفات وقد كانت ثمة أحجار بيض فأدخلت في المسجد الذي بني ثم مضى به إلى الموقف فقال: يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة... (٦)

عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال: لأنه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء لريهم وكان يقول بعضهم لبعض ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك (٧).

فأنّى رواية ذي الحجة من هذا؟! إلا أن يكون المراد منه العلة الباطنية لتسمية اليومين وهو بعيدٌ جداً، لما سيأتي من مخالفة الخبر لرواية خاصة، ثم إن فاطمة (عليها السلام) كانت عالمةً بأمير المؤمنين (عليه السلام) ومدى علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال ابو طالب فيما رآه من ولادة ابنه: " ثم اخذه محمد بن عبد الله أخي من أيديهن ووضع يده في يده وتكلم معه وسأله عن كل شئ فخاطب محمد علياً وخاطب علي محمداً باسرار... " فكيف تستغرب فاطمة من معرفة علي لمحمد؟ إلا أن يكون من باب - إياك اعني واسمعي يا جارة - والله العالم.

ثانياً: مخالفة الرواية لخبر جابر الخاص:

وهو الذي استدلينا به، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) - نأخذ موضع الحاجة - قال: فلما سمع هذا خرج من الكعبة وغاب عن قومه أربعين صباحاً، قال جابر: فقلت يا رسول الله عليك السلام أين غاب؟ قال: مضى إلى المثرم ليبشره بمولد علي بن أبي طالب (عليه السلام) في جبل لكام... (٨)

لا يخفى بعد التأمل فيما أوردناه، أن هناك تعارضاً لا جبر له ولا تبرير، إذ كيف يغيب أبو طالب عن قومه أربعين يوماً، ثم يقيم وليمة يدعوهم إليها في اليوم الثالث من ولادة ابنه؟! فهذا الدليل الواضح يرد الزيادة المذكورة، لما فيها من تناقض واضح لا يتماشى مع واقع الحال، فالصواب ردها إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وهم أعلم.

فايدة: وجدت في مخطوطةٍ سقيمة رواية جابر الخاصة مع رواية ذي الحجة في سياقٍ واحد فكانتا روايةً متحدةً وبها يحل الإشكال إذ أن المتن كان متسقاً، لكنها مع شديد الأسف سقيمة وتعاني من اخطاءٍ واضحة، وكان بودي أن اعمل على تحقيقها لما فيها من الأمور العجيبة


 لتحميل المخطوطة (اضغط هنا)

وقد وجدت في كتاب المناقب القديم الذي فيه رواية استشهاد النبي، رواية ذي الحجة مرسلة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والظاهر أن الطوسي قد نقلها منه، لأن المصنّف وقع بالإسناد، وحدّث ابن شاذان، ما يدل على قِدم الرواية.


لتحميل المخطوطة  (اضغط هنا)

٢- قال الكراجكي: روى المحدثون وسطر المصنفون ان أبا طالب بن عبد المطلب بن هاشم وامرأته فاطمة بنت أسد بن هاشم لما كفلا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) استبشرا بغرته واستسعدا بطلعته واتخذاه ولدا لأنهما لم يكونا رزقا من الولد أحدا ثم إنه نشأ أشرف نشوء وأحسنه وأفضله وأيمنه - إلى أن قال - وجاء في الحديث انها دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله) داخلها وكان ذلك في النصف من شهر رمضان ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثون سنة على الكمال فتضاعف ابتهاجه به وتمام مسرته... (٩)

أقول: إن هذا الخبر الذي نقله غير مسند ولم ينسب إلى أحد من أهل البيت (عليهم السلام) بل اعتمد فيه على روايات المحدثين والمصنفين المجهولين. ولكن هناك تشابه في التفاصيل مع أحاديث العترة (عليهم السلام) ولا ندري، فلعلها تكون رواية عن المعصومين.

٣- عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الأحد لسبع خلون من شعبان (١٠).

تبقى لدينا هذا الحديث الشريف، وهو الأوفق بين الروايات، كونه الحديث الوحيد الذي يذكر تاريخ ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنا أعتمده، فهذا ما يمكنني الأطمئنان إليه، كما صححه العلامة المجلسي:


الترجمة: الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه المصباح بسندٍ صحيح، روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن ولادة الإمام (عليه السلام) كانت يوم الأحد، السابع من شعبان... (١١)

⊱━━━━━━⊰✾⊱━━━━━━⊰

NameE-MailNachricht