JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

قبر فاطمة الزهراء ليس مخفياً!


انتشر في العقود الأخيرة، أن قبر السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مخفي وغير موجود. وقد شاع هذا الادعاء بين الناس جميعاً، على يدي الرجال وأصحاب الضلال، حتى انهم نظموا قصائد حزينة، وتباكوا على ما يظنونه فقداناً لهذا القبر الطاهر، لا يعرفون حقيقة الأمر.

والحقيقة التي يجب توضيحها، هي أن قبر السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليس مخفياً، بل هو موجود ومرصود، ولكنه خفي عن أعين الجهلة والطغاة، إذ أن قبرها الطاهر موجود بالفعل، ولكنه لا يظهر إلا لأصحاب البصيرة والإيمان، الذين يتأملون بعين الحقيقة ويأخذون دينهم ومعلوماتهم من خلال ما ورد في آثار أهل البيت (عليهم السلام)، أما أصحاب الضلال فلا يستطيعون إدراكه، فهم في غفلة عن هذا الظهور الذي لا يراه إلا من يلتزم بالأحاديث الشريفة، وسنستعرض بحثنا في الأمر ونثبت وجود قبرها الطاهر، فتأمل.

الروايات والأحاديث في موضع القبر

١- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة؛ لأن قبر فاطمة (عليها السلام) بين قبره ومنبره، قبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة (١)

٢- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد (٢).

٣- وفي خبر اخر، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن فاطمة بنت رسول الله اي مكان دفنت؟ فقال: سأل رجل جعفراً عن هذه المسألة وعيسى بن موسى حاضر فقال له عيسى: دفنت في البقيع فقال الرجل: ما تقول؟ فقال: قد قال لك، فقلت له: أصلحك الله ما أنا وعيسى بن موسى؟ أخبرني عن آبائك! فقال: دفنت في بيتها (٣).

إن البزنطي كان فطناً وعرف لحن قول إمامه، يبدو من ذلك أن المسألة كانت حذرة.

وقد دلونا على بيتها (عليها السلام) في زمانهم، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ما بين البيت الذي فيه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الباب الذي يحاذي الزقاق إلى البقيع قال: فلو دخلت من ذلك الباب والحايط كأنه أصاب منكبك الأيسر (٤).

عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إليه - أي مولانا الهادي -: ان رأيت أن تخبرني عن بيت أمك فاطمة (عليها السلام) أهي في طيبة أو كما يقول الناس في البقيع؟ فكتب: هي مع جدي (صلوات الله عليه وآله) (٥).

عن القاسم بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا دخلت من باب البقيع فبيت علي (صلوات الله عليه) على يسارك قدر ممر عنز من الباب وهو إلى جانب بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباباهما جميعا مقرونان (٦).

الأيّمة يوصون خواصهم بزيارة القبر

عن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي قال: حدثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم قال: إذا صرت إلى قبر جدتك فاطمة (عليها السلام) فقل: يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً، وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَأَتَانَا بِهِ وَصِيُّهُ (عَلَيْهِ السَّلَام)، فَإِنَّا نَسْأَلُكِ أَنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا بِالْبُشْرَى لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طُهِّرْنَا بِوَلَايَتِكِ (٧).

الصدوق يزور قبر فاطمة

ومن العجيب أن يخفى قبرها (عليها السلام) الآن على مدعي العلم، وقد كان معروفاً من قبل! إذ زاره الشيخ الصدوق وذكره في الفقيه قايلاً: اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر وأن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما قال: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة لأن قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد وهذا هو الصحيح عندي، وإني لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره، فلما فرغت من زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصدت بيت فاطمة (عليها السلام) وهو من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرائيل (عليه السلام) إلى مؤخر الحفيرة التي فيها النبي فقمت عند الحظيرة ويساري إليها، وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل وقلت: السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا  بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله... (٨)

أقوال العلماء في قبرها الطاهر

قال المفيد: ثم قف بالروضة، وزر فاطمة عليها السلام، فإنها هناك مقبورة. فإذا أردت زيارتها فتوجه إلى القبلة في الروضة... (٩)

قال الطوسي: ثم زر فاطمة (عليها السلام) من عند الروضة، واختلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونة في الروضة، وقال آخرون: في بيتها، وقال فرقة ثالثة: هي مدفونة بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا: أن زيارتها من عند الروضة، ومن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل وإذا وقف عليها للزيارة فليقل: يا ممتحنة امتحنك الله... (١٠)

قال العلامة المجلسي: الأظهر أنها (صلوات الله عليها) مدفونة في بيتها وقد قدمنا الاخبار في ذلك ولعل، خبر ابن أبي عمير محمول على توسعة الروضة بحيث تشمل بيتها ويؤيده ما تقدم في باب زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) من خبر جميل وفيه أن علامة القبر المعلومة الآن متأخرة عن قبره (صلى الله عليه وآله) وليست في جهة الروضة إلا أن يقال إن العلامة لا أصل لها، والقبر في جانب الروضة (١١).

أقول: إذا زار الزاير كلا الموضعين المتقاربين فقد أصاب ونال الأجر بإذن الزهراء (عليها السلام)، لأن هذا حال ساير قبور الأيّمة (عليهم السلام) فيما يخص علامة القبر، ومثال ذلك ما نراه في قبر سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، فحين نزوره ونقف عند الضريح المبارك، لا يتوهم الزاير أن الشباك الطاهر موضوع فوق القبر مباشرة، بل هو موضع رمزيّ يشير إلى القبر، وليس تحديداً لموضع الجثمان الطاهر، ولا غضاضة في ذلك ولا نقيصة معاذ الله، فكربلاء كلها حرمٌ للحسين (عليه السلام) وزيارة له، وإنما نوضح الأمر لأن البعض يطالب بجعل قبر الزهراء (عليها السلام) ظاهراً، بينما هذا الأمر لم يتوفر حتى مع وجود التمكين الظاهري في قبور الأيّمة المعصومين (عليهم السلام)، فكيف يُنتظر أن يتوفر في تلك الظروف الحالكة والنية المبيّتة لطمس معالم قبرها؟

والمسألة كانت مشهورةً إلى حياة عباس القمّي صاحب مفاتيح الجنان الذي لا تخلوا منه بيوت الموالين عامةً، فإنه نقل كلام الطوسي في فصل الزيارات (١٢).

من ينكر قبر فاطمة عليه أن ينكر قبر علي

من هنا يتبين أن قبرها معلوم وغير مخفي، نعم قد أُخفي عند دفنها (عليها السلام) وكان بوصية منها؛ فقد ورد عن مولانا الحسين (عليه السلام) قال: وصّت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولّى أمرها، ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها، فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها... (١٣)

وذلك لعلل كثيرة، منها لكي لا يعلم الملعونين اولاد البغايا ابي بكر وعمر (لعنهما الله) بموضع القبر ويقومون بنبشه وانتهاك حرمته، فهي أيضاً قد دفنت سراً لأجل هذه العلة

عن الأصبغ بن نباته أنه سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها (١٤).

كما هو الحال مع كفؤها وصاحبها في الفضل؛ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه دفن ليلاً وقد أوصى الحسن (عليه السلام) أن يحفر أربعة قبور حتى لا يعلم أحد بموضعه، وأخفي القبر لئلا يتعرض له الكفرة الفجرة من بنو أمية وغيرهم لعنهم الله، ومنذ زمان الحسنين إلى زمان الصادق (صلوات الله عليهم) لم يكن معلوماً للجميع إلا لخواص أصحابهم في البداية.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر إبنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواقع، في المسجد وفي الغري وفي دار جعدة بي هبيرة المخزومي وفي الرحبة، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعداءه موضع قبره (١٥).

وفي حديث صفوان مع الصادق (عليه السلام) قال: قلت: يا ابن رسول الله ما منع الأبرار من أهل البيت من إظهار مشهده؟ قال: حذراً من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه (١٦).

في خبرٍ طويل - نأخذ موضع الحاجة - قال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) لأبي حمزة: هل لك أن تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قلت: أجل، فسرت في ظل ناقته يحدثني حتى أتينا الغريين وهي بقعة بيضاء تلمع نوراً فنزل عن ناقته ومرغ خديه عليها وقال: يا أبا حمزة هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم زاره بزيارةٍ أولها: السلام على اسم الله الرضي، ونور وجهه المضئ، ثم ودعه ومضى إلى المدينة ورجعت أنا إلى الكوفة (١٧).

وعن أبي حمزة الثمالي (رضي الله عنه) أيضاً، عندما رأى زيد بن علي (عليه السلام) قال: فجئت إليه ليلة النصف من شعبان فسلمت عليه، وكان ينتقل في دور بارق وبني هلال، فلما جلست عنده قال: يا أبا حمزة! تقوم حتى نزور قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قلت: نعم جعلت فداك - ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال -: أتينا الذكوات البيض، فقال: هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم رجعنا، فكان من أمره ماكان... (١٨).

فإن أراد الجاحد الجاهل أن ينكر قبر فاطمة الزهراء؛ فسنشترط عليه أن ينكر قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً.

إشكال حول خبر إخفاء قبرها

روى الخوارزمي عن وهب بن منبّه، عن ابن عباس في كلامٍ طويل له مع إعرابي حول إستشهاد مولاتنا فاطمة (عليها السلام) - وهو يصفها بالوفاة - نأخذ منه موضع الحاجة: فلما أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع إلي إلي فقد رفع تربتها مني فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها فجلس علي على شفير القبر فقال: يا أرض! استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول الله فنودي منها: يا علي أنا أرفق بها منك فارجع ولا تهتم فرجع وانسد القبر واستوى بالأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة (١٩).

أقول: إن كلام ابن عباس لتلميذه الناصبي وهب بن منبّه يوافق روايات آل محمد عليهم السلام في جهات، ويخالفها في جهات أخرى، منها فيما يتعلق بعدد أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله، ومدة بقاء الصدّيقة صلوات الله عليها بعد أبيها، والفارق الأهم هو البقعة التي دفنت بها.

فإنها عليها السلام لم تدفن في البقيع، وقد مرّ علينا أن هذا قول الناس - النواصب وحتى العوام من الأصحاب - وهو مخالفٌ لما قاله آل محمد عليهم السلام! فهل ابن عباس الذي كان يستأكل الناس بآل محمد أعلم من الباقر والصادق والرضا والهادي صلوات الله عليهم؟ إنه رجل عابر لم يطلع على كل التفاصيل، وقوله منقول من طريق ناصبي وإن كان فيه ما يوافق رواياتنا فمن السقم أن نأخذ بقوله وندع القول الأحدث من الأيّمة الطاهرين، ولعل إشاعة هكذا أخبار مختلط فيها الحق بالباطل للحفاظ على القبر أكثر، والله العالم.

⊱━━━━━━⊰✾⊱━━━━━━⊰

(١) معاني الأخبار ص٢٦٧
NameE-MailNachricht