توضيح: إن منهجنا لا يعتمد على علم الرجال العائشي المأخوذ من النواصب، إذ أنه لا يمت لمنهج أهل البيت بصلة، بل يخالف كلامهم وقواعدهم (عليهم السلام)، ولكن لإلزام الرجاليون بما ألزموا به انفسهم، ولتوضيح بعض النقاط للإخوة دون أن يكون ذلك أساساً في تحقيقنا.
ادعت جماعةٌ أن السند ضعيف، ورواية الحسين بن حمدان العلوي النصيري الكافر لا يعتد بها، لكونها موضوعة ولم يروها غيره.
أقول: بل إن كثرة أسانيدها وروايتها تغنيك عن البحث في صحتها، فقد رويت عن جمعٍ من الأصحاب والثقات من الرواة، أمثال المفضل بن عمر، وابي عبد الله الفزاري (رحمهم الله)، وغيرهم. ثم إن للرواية من القرائن والشواهد ما يقطع بصحتها.
ووجود الرواية في كتاب الهداية لا يعني بطلانها، فالحسين بن حمدان لم يختلقها أو ينفرد بروايتها، إنما هو نقلها وجمع طرق أسانيدها، لأنها كانت مشهورة جداً ومتداولة على الألسن وبمصنفات عصره. فالمقياس الذي اعتمده الجهّال باطلٌ، فالأمور لا تقاس هكذا، بمجرد نقل شخص فاسد للرواية تصبح باطلة، ولو صح ذلك لوجب أن نردَّ خبر المسيّب واحضار الرطب المسموم إلى مولانا الكاظم (صلوات الله عليه) وخروجه إلى المدينة ليلاً...، فإن الرواية لم ترد في عيون الأخبار فقط بل وردت في الهداية أيضاً (اضغط هنا) فهل يصح لنا ردُّها؟
كما أن الكتاب يشتمل على رواياتٍ عديدة تخالف عقائد النصيرية، مثل روايات المتعة (الرواية الأولى - الرواية الثانية) مما يوضح أنه لا يحتوي على روايات النصيرية فقط.
ثناء العلماء على كتاب الهداية
قال العلامة المجلسي: وكتاب الحسين بن حمدان مشتمل على أخبار كثيرة في الفضائل، لكن غمز عليه بعضُ أصحاب الرجال (١).
قال الميرزا النوري: كتاب الهداية المنسوب إليه في غاية المتانة والإتقان، لم نرَ فيه ما ينافي المذهب، وقد نقل عنه وعن كتابه هذا الأجلاءُ من المحدِّثين... ورأيت بخط الفاضل الماهر الآغا محمد علي بن الوحيد البهبهاني فيما علقه على نقد الرجال ما هذا لفظه: (قال شيخنا المعاصر: إن الذي في كتاب الرجال أنّ الحسين بن حمدان الحضيني كان فاسد المذهب، كذاباً، صاحب مقالة، ملعون لا يُلتفت إليه، وظاهرٌ لمن تدبر هذا الكتاب ـ وهو الهداية ـ أنه من أجلاء الإمامية وثقاتهم، ولعل المذكور في كتب الرجال ليس هو هذا، وإلا فالتوفيق بينهما غير ممكن، والله أعلم (٢).
قال محسن أمين العاملي: لا يبعد أن يكون أصل ذمه من ابن الغضائري الذي لم يسلم منه أحد، فلذلك لم يعتنِ العلماء بذمومه، وتبعه النجاشي فوصفه بفساد المذهب والتخليط، وتبعه صاحب الخلاصة، والقدماء كانوا يقدحون بفساد المذهب والتخليط لأشياء كانوا يرونها غُلُوّاً، وهي ليست كذلك، ولذلك لم يقدح فيه الشيخ بل اقتصر على رواية التلعكبري عنه واستجازته (٣).
وقال المازندراني: وأمّا طعن النجاشي فلا ينافي الوثاقة المطلوبة (٤).
بالإضافة إلى ذلك، الرواة المعاصرون له والماضون قبله قد أوردوا الرواية نفسها بأسانيدهم إلى الائمة، واثبتوها في مصنفاتهم أيضاً، منهم
الثقة جعفر بن محمد الفزّاري الذي وقع بالأسانيد المتقدمة
قال عنه الطوسي: كوفي، ثقة، ويضعفه قوم، روى في مولد القائم أعاجيب (٥).
ولعل سبب تضعيفهم له قد جاء من ابن الغضائري الخبيث، فإن الفزّاري ثقة عند الطوسي وقد روى شيوخ الأصحاب عنه، قال النجاشي بعد الطعن عليه وتضعيفه: ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب... (٦)، فإن لم يكن راوي حديث كيف يروي هؤلاء الثقات عنه؟
الشيخ الثقة محمد بن ابي الثلج البغدادي
وهو اقدم من الحسين بن حمدان بسنواتٍ عديدة، وقد توفي قبيل الغيبة الكبرى.
قال عنه النجاشي: محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل الكاتب، أبو بكر، يعرف بابن أبي الثلج، وأبو الثلج: هو عبد الله بن إسماعيل، ثقة، عين، كثير الحديث، له كتب، منها:... كتاب تاريخ الأئمة (عليهم السلام) (٧).
وقال الطوسي: سمع منه التلعكبري سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وما بعدها إلى سنة خمس وعشرين، وفيها مات، وله منه إجازة (٨).
ذكرنا السند إلى كتابه وأنه روى عن نصر الجهضمي عن مولانا الرضا صلوات الله عليه والمتن نفسه لم يُحرّف.
ابن الخشّاب البغدادي
روى الرواية الشريفة بسندين معتبرين، الأول عن مولانا الصادق والثاني عن الباقر (صلوات الله عليهما).
قال العلامة المجلسي: وابن الخشاب تاريخه مشهور أخرج منه صاحب كشف الغمة وأخباره معتبرة وهو كتاب صغير مقصور على ولادتهم ووفاتهم ومدد أعمارهم (عليهم السلام) (٩).
والجدير بالذكر، هو توافق رواية ابن الخشّاب مع أصح وأهم أصولنا الروائية " الكافي " وهذا دليلٌ يقوّي روايات ابن الخشاب، فإنه روى في باب فاطمة الزهراء (عليها السلام): حدثنا حرب قال حدثنا الحسن بن محمد عن أبيه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن محمد بن مسكان، عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام):
وحدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبي عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قالا: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعين يوماً (١٠).
فهو يوافق ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) عن عبد الله بن جعفر وسعد بن عبد الله جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ولدت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) بعد مبعث رسول الله بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً (١١).
وهذا يقطع الشك، ويثبت أن الرواية بجميع أسانيدها هي من رواياتنا وأسانيدنا، إذ كيف يمكن أن تكون خلاف ذلك وأنت ترى تطابق السند والرواية عينها؟ بل إن السند الذي ورد في ذكر تاريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينتهي أيضاً إلى هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر (عليه السلام)، فالإمام (عليه السلام) قد حدّث بتواريخ المعصومين قبله، ويبدو أن ما اختاره الشيخ الكليني كان تاريخ سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أو اختاره في الكافي دون غيره في هذا الباب.
ولا يخفى على الباحث، أن السيد إبن طاووس نقل ما ذكره الرواة المتقدّمين في مصنفاتهم وهم (الحسين بن حمدان، نصر بن علي الجهضمي الذي سأل الرضا، محمد بن جرير صاحب الدلائل، ابن الخشّاب البغدادي) إلى جانب أقوال الشيوخ والأعلام كالشيخ الكليني، والشيخ محمد بن هارون التلعكبري، والمفيد، والطوسي.
إذ قال في الإقبال: وإنما قد ذكرت في كتاب التعريف للمولد الشريف عن الشيخ الثقة محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي في كتاب دلائل الإمامة أن وفاة مولانا الحسن العسكري صلوات الله عليه كانت لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول، وكذلك ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الحجة، وكذلك قال محمد بن هارون التلعكبري، وكذلك ذكر حسين بن حمدان بن الخطيب، وكذلك ذكر الشيخ المفيد في كتاب الارشاد، وكذلك قال المفيد أيضا في كتاب مولد النبي والأوصياء، وكذلك ذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب تهذيب الأحكام، وكذلك قال حسين بن خزيمة، وكذلك قال نصر بن علي الجهضمي في كتاب المواليد، وكذلك الخشاب في كتاب المواليد أيضاً... (١٢)
وأثناء بحثي، عثرت على مخطوطةٍ لكتاب عتيق أسمه: الأوج الأخضر في مناقب ومواليد وتواريخ الأئمة المعصومين الإثني عشر، المنسوب لعلي بن إبراهيم الأنباري.
النسخة محفوظة في تركيا، بمدينة إسطنبول، في مكتبة نور العثمانية، تحت رقم الحفظ ٣٠٥٧.
وقد اثنى عليها الميرزا حسين النوري (رحمه الله) حيث قال: وفي أحد كتب المناقب القديمة الذي يبتدئ هكذا:
«اخبرنا احمد بن محمد بن السمط في واسط سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة قال: قرأت هذا الكتاب علي أبي الحسن علي بن ابراهيم الانباري في واسط في سنة ست و عشرين و ثلاثمائة... الخ».
ويشتمل على مجمل احوال جميع الائمة (عليهم السلام) ولم يعلم لحد الآن مؤلفه... ونحن نعبر عنه بـ المناقب القديمة (١٣).
والمصنّف نقل رواية الحسين بن حمدان بالأسانيد نفسها في كتابه، وهذا نص المخطوطة: حدثنا أحمد بن محمد بن السمط بواسط سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، قال: قرأت هذا الكتاب على أبي الحسن علي بن الإبراهيم الأنباري بواسط في شهر ربيع الآخر، قال: حدّثني أبو العلاء أحمد بن يوسف بن مؤيد الأنباري في التاريخ من سنة ست وعشرين وثلاثمائة، قال: حدّثني أبو القاسم علي بن محمد المرادي، الكاتب بالجامدة في أربعٍ وعشرين وثلاثمائة، قال الحسين بن حمدان بن الخضيب قال: حدّثني جعفر بن مالك القارئ، قال: حدّثني عبد الله بن يونس السبعي، قال: حدّثني المفضل بن عمر، عن سيّدنا الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)... إلى آخر ما ذكره الخصيبي
للإطلاع على المخطوطة (اضغط هنا)
وهذا لإلزام الرجاليين بما ألزموا به أنفسهم، فإن أيّمتنا صلوات الله عليهم ذكروا لنا قواعد كثيرةً لمعرفة الحديث وقبوله، وفي هذا الحال أذكر لكم ما رواه جابر الجعفي (رحمه الله) عن إمامنا الباقر (عليه السلام) قال: إن لنا أوعية نملؤها علماً وحكماً، وليست لها بأهل، فما نملؤها إلا لتنقل إلى شيعتنا؛ فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها، ثم صفوها من الكدورة تأخذوا منها بيضاء نقية صافية، وإياكم والأوعية؛ فإنها وعاء سوء فتنكبوها (١٤).
⊱━━━━━━⊰✾⊱━━━━━━⊰